فصل: فتح تونس وبقية عمالات أفريقية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.فتح تونس وبقية عمالات أفريقية:

.الخبر عن فتح تونس واستيلاء السلطان عليها واستبداده بالدعوة الحفصية في سائر عمالات أفريقية وممالكها:

لما هلك السلطان أبو اسحق صاحب الحضرة سنة سبعين وسبعمائة كما قدمنا وقام بالأمر مولاه منصور سريحة وصاحبه اليالقي ونصبوا ابنه الأمير خالدا للأمر صبيا لم يناهز الحلم غرا فلم يحسنوا تدبير أمره ولا سياسة سلطانه واستخلصوا لوقتهم منصور بن حمزة أمير بني كعب المتغلبين على الضاحية ثم أطمعوه بسوء تدبيرهم في شركته لهم في الأمر ثم قلبوا له ظهر المجن فسخطهم ولحق بالسلطان أبي العباس وهو مطل عليهم بمرقبة من الثغور الغربية مستجمع للتوثب بهم فاستحثه لملكهم وحرضه على تلافي أمرهم ورم ما تثلم من سياج دولتهم وكان الأحق بالأمر لشرف نفسه وجلالته واستفحال ملكه وسلطانه وشياع الحديث على عدله ورفعته وجميل سيرته ولما أن أهل مملكته نظروا لعقب نظره فيهم واستبداد سواه عليهم فأجاب صريخه وشمر للنهوض عزمه وكان أهل قسنطينة قد بعثوا بمثل ذلك فسرح إليهم أبا عبد الله بن الحاجب أبي محمد بن تافراكين لاستخبار طاعتهم وابتلاء دخلتهم فسار إليهم واقتضى سمعهم وطاعتهم وسارع إليها يحيى بن يملول مقدم توزر والخلف بن الخلف مقدم نفطة فآتوها طواعية وانقلب عنهم وقد أخذوا بدعوة السلطان وأقاموا في أمصارهم.
ثم خرج السلطان من بجاية في العساكر وأغذ السير إلى المسيلة وكان بها إبراهيم ابن الأمير أبي زكريا الأخير فأجابه أولاد سليمان بن على من الزواودة من مثوى اغترابه بتلمسان ونصبوه لطلب حقه في بجاية من بعد أخيه الأمير أبي عبد الله وكان ذلك بمداخلة من أبي حمو صاحب تلمسان ومواعيد بالمظاهرة مختلفة فلما انتهى السلطان إلى المسيلة نبذوا إلى إبراهيم عهده وتبرؤا منه ورجعوا من حيث جاءوا وانكفأ السلطان راجعا إلى بجاية ثم نهض منها إلى الحضرة وتلقته وفود أفريقية جميعا بالطاعة وانتهى إلى البلد فخيم بساحتها أياما يغاديها القتال ويراوحها ثم كشف عن مصدوقته وزحف إلى أسوارها وقد ترجل أخوه والكثير من بطانته وأوليائه فلم يقم لهم حتى تسنموا الأسوار برياض رأس الطابية فنزل الطابية فنزل عنها المقاتلة وفروا إلى داخل البلد وخامر الناس الدهش وتبرأ بعضهم من بعض وأهل الدولة في مركبهم وقوف بباب الغدر من أبواب القصبة فلما رأوا أنهم أحيط بهم ولوا الأعقاب وقصدوا باب الجزيرة فكبروا قباله وثار أهل البلد جميعا بهم فحاصروا بساحتهم من البلد بعد عصب الريق ومضى الجند في اتباعهم فأدرك أحمد بن اليالقي فقتل وسيق رأسه إلى السلطان وتقبض على الأمير خالد واعتقل ونجا العلج منصور سريحه برأس طمرة وخام وذهل عن القتال دون الأحبة ودخل السلطان القصر واقتعد أريكته وانطلقت أيدي العيث في ديار أهل الدولة فاكتسحت ما كان الناس يضطغنون عليهم تحاملهم على الرعية واغتصاب أموالهم واضطرمت نار العيث في دورهم ومخلفهم فلم تكد أن تنطفىء ولحق بعض أهل العافية معرات من ذلك لعموم النهب وشموله حتى أطفأه الله ببركات السلطان وجميل نيته وسعادة أمره ولاذ الناس منه بالملك الرحيم والسلطان العادل وتهافتوا عليه تهافت الفراش على الذبال يلثمون أطرافه ويجدون بالدعاء له ويتنافسون في انتقاس مجيده الى أن غشيهم الليل ودخل السلطان قصوره وخلا بما ظفر من ملك آبائه وبعث بالأمير خالد في الأسطول إلى قسنطينة فعصفت به الريح وانخرقت السفينة وترادفت الأمواج إلى أن هلك واستبد السلطان بأمره وعقد لأخيه الأمير أبي يحيى زكريا على حجابته ورعى لابن تافراكين حق انحياشه إليه ونزوعه فجعله رديفا لأخيه واستمر الأمر على ذلك إلى أن كان من أمره ما نذكر إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن انتقاض منصور بن حمزة وإجلابه بالعم أبي يحيى زكريا على الحضرة وما كان عقب ذلك من نكبة ابن تافراكين:

كان منصور بن حمزة هذا أمير البلد من بني سليم بما كان سيد بني كعب وكان السلطان أبو يحيى يؤثره بمزيد العناية ويجعل له على قومه المزية وكان بنو حمزة هؤلاء منذ غلبوا على السلطان أبي الحسن على أفريقية وأزعجوه منها قد استطالت أيديهم عليها وتقسموها أوزاعا وأقطعهم أمراء الحضرة السهمان في جبايتها زيادة لما غلبوا عليه من ضواحيها وأمصارها استئلافا لهم على المصاهرة وإقامة الدعوة والحماية من أهل الثغور الغربية فملكوا الأكثر منها وضعف سهمان السلطان بينهم فيها فلما استولى هذا السلطان أبو العباس على الحضرة واستبد بالدعوة الحفصية كبح أعنتهم عن التغلب والاستبداد وانتزع ما بأيديهم من الأمصار والعمالات التي كانت من قبل خالصة السلطان وبدا لهم ما لم يكونوا يحتسبونه فأحفظهم ذلك وأهمهم شأنه وتنكر منصور بن حمزة وقلب ظهر المجن ونزع يده من الطاعة وغمسها في الخلاف وتابعه على خروجه على السلطان أبو معنونة أحمد بن محمد بن عبد الله بن مسكين شيخ حكيم وارتحل بأحيائه إلى الزواودة صريخا مستجيشا بالأمير أبي يحيى بن السلطان أبي بكر المقيم بين ظهرانيهم من لدن قفلته من المهدية وانتزائه بها على أخيه المولى أبي إسحق كما ذكرناه فنصبوه للأمر وبايعوه وارتحل معهم وأغذوا السير إلى تونس ولقيهم منصور بن حمزة في أحياء بيته فبايعوا له وأوفدوا مشيختهم على يحيى ابن يملول شيطي الغواية المراد على الخلاف يستحثونه للطاعة والمدد بمداخلة كانت بينهم في ذلك سول لهم فيها بالمواعيد وأملى لهم حتى إذا غمسوا أيديهم في النفاق والاختلاف سوفهم عن مواعيد حمايته بماله فأسرها منصور في نفسه واعتزم من يومئذ على الرجوع إلى الطاعة.
ثم رحلوا للإجلاب على الحضرة وسرح السلطان أبو العباس أخاه الأمير أبا يحيى زكريا للقيهم في العساكر وتزاحفوا فأتيح لمنصور وقومه ظهور على عساكر السلطان وأوليائه لم يستكمله وأجلوا على البلاد أياما ونمي إلى السلطان أن حاجبه أبا عبد الله ابن تافراكين داخلهم في تبييت البلد فتقبض عليه وأشخصه في البحر إلى قسنطينة فلم يزل بها معتقلا إلى أن هلك سنة ثمان وسبعين وسبعمائة ثم سرب السلطان أمواله في العرب فانتقض على المنصور قومه وخشي مغبة حاله وسوغه السلطان جائزته فعاود الطاعة ورهن ابنه ونبذ إلى السلطان زكريا العم عهده ورجعه على عقبه إلى الزواودة والتزم طاعة السلطان والاستقامة على المظاهرة إلى أن هلك سنة ست وتسعين وسبعمائة فقتله محمد ابن أخيه قتيبة في مشاجرة كانت بينهما طعنه بها فأشواه ورجع جريحا إلى بيته وهلك دونها أواخر يومه وقام بأمر بني كعب بعده صولة ابن أخيه خالد وعقد له مولانا السلطان على أمرهم واستمرت الحال إلى أن كان من أمره ما نذكر إن شاء الله تعالى.